الفراعنة


يعتقد علماء المصريات الغربيين أن لقب فرعون في اللغة المصرية القديمة تعني المنزل الكبير أوالبيت الكبير أو ما يعني الباب العالي وذلك نسبة إلى تركيب بر - عا ، الذي ظهر في عهد الأسرة الثامنة عشر والأسرة التاسعة عشر، وبالرغم من هذا فلا نجد دليلا في خرطوش واحد من الخراطيش الملكية التي تحمل أسماء الملوك يشير إلى ذلك اللقب بر - عا ، ويظهر من ذلك محاولة هؤلاء العلماء الغربيين للتوفيق بين الآثار والتاريخ وبين ما ورد في التوراة، حيث اشارت التوراة في سفري التكوين والخروج لملوك مصر بلقب فرعون ،غير أن التوراة لم تفرق في ذلك اللقب بين الملوك الثلاثة الذين كانوا يحكمون مصر وقتها والذين عاصروا أنبياء الله إبراهيم ويوسف وموسى عليهم السلام على الترتيب، بل عممت التسمية والتلقب بهذا اللقب على كل من حكم مصر، وفي هذا محل نظر، حيث لم يظهر اللقب كلقب ثانوي للملوك إلا في عهد الأسرة الثامنة عشر كما ذكرنا، ومن ثم يصعب تصور أن يتلقب ملك مصر بهذا اللقب في عهد إبراهيم عليه السلام أي ما يسبق ظهور تركيب بر - عا بما يزيد عن أربعة أو خمسة قرون كاملة، هذا إذا افترضنا بالطبع صحة الربط بين لفظ " فرعون وبين بر - عا
غير أن لفظ فرعون له مصدر آخر غير التوراة ألا وهو القرآن الكريم، حيث يظهر اللفظ كاسم علم أكثر منه لقبا في آيات القرآن الكريم، ويظهر ذلك جليا من آيات القرآن الكريم التي ورد فيها الاسم مصحوبا بإشارات النداء، حيث ذُكرَ في سورة الأعراف :

"وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ "

ومن هنا يترجح القول بأن كلمة " فرعون هي اسم علم أكثر منه لقبا قد تم تعميمه على ملوك مصر القديمة فأصبح لقبا لكل ملك حكم مصر.

والجدير بالذكر أيضا أن هناك شك كبير في حقيقة أصل هذا اللقب وانتسابه إلى المصريين القدماء، فالمصريين القدماء لم يسموا أنفسهم أبدا بالفراعنة، رغم شيوع وذيوع استخدام المسمى في العقود الأخيرة، إلا أن الفراعنة كلقب لم يعرف إلا في العصر الحديث نتيجة إصرار علماء الغرب على إطلاقه على ملوك مصر القديمة تمشيا مع التوراة، وفي ذلك يقول كتاب (معجم الحضارة المصرية القديمة) بوزنر – سيرج والصادر عن مكتبة الاسرة سنجد في معنى كلمة (فرعون)

لم يستعمل هذا اللقب الذي يوحي الينا بشخصية ذات عظمة ومجد من غابر الازمنة الا في الالف سنة الأولى ق.م كلقب للملك عندما انجزت مصر ما اراده لها القدر ولم يعد ملوكها يبهرون الدنيا باعمالهم كاسلافهم الذين حكموا ايام عظمتها، نقلنا كلمة (فرعون) عن لفظ حقيقي رسمي في التوراة، وهي مشتقة من اللفظ المصري (برعا) اى (البيت العظيم) التي بعد استعمالها للقصر استعلمت لصاحبه (وبطريقة مشابهة استعمل الباب العالى للدلالة على السلطان العثماني)، غير ان لقب فرعون لم يستعمل في اى وقت من التاريخ كلقب حقيقي رسمي للملك.أ.هـ ومن هنا يتبين عدم صحة الادعاء بتسمية ملوك مصر بالفراعنة بشهادة فطاحل علماء المصريات الذين عمموا اللفظ على كل ملوك مصر القديمة، كما أن المؤرخين المسلمين لهم رأي آخر في نسبة هذه التسمية.

الفراعنة العماليق عند المؤرخين العرب والمسلمين
يرى المؤرخون المسلمون والعرب أن الفراعنة من العماليق، والعماليق هم من يعرفون تاريخيا بالهكسوس، وهم الذين احتلو مصر لمدة تتراوح من 150-230 عاما بدءا من عام 1780 وحتى عام 1550 قبل الميلاد، وكانوا من الآراميين والعرب البائدة وأطياف من العبرانيين والكنعانيين والبابليين وغيرهم من الشعوب، ويذكر هؤلاء المؤرخون أن فرعون بني إسرائيل كان منهم، وهؤلاء العماليق تفرع منهم عشيرة هي من عرفت بعشيرة آل فرعون، أو قوم فرعون، ومن هنا ظهرت التسمية بالفراعنة، حيث كان يقصد بها العمالقة أو العماليق في أول الأمر، ثم جرى العرف في العصور الحديثة خطأ على تسمية ملوك المصريين أنفسهم بالفراعنة بدلا من إطلاقها على الهكسوس أو العماليق، غير أن هذا الرأي يحتاج إلى المزيد من الأدلة التاريخية والآثرية لإثباته، برغم كونه أقرب إلى المنطق من الفروضات الأخرى.

لفظ فرعون في الأبحاث الحديثة
تشير أحدث أبحاث اللغة إلى أن لفظ فرعون هو لفظ آرامي معناه راعي أي من الملوك الرعاة، وقد أشار إلى ذلك الباحث طارق أبو هشيمة في كتابه "أصول الكلمات الصادر حديثا حول الكلمات التي دخلت على اللغة العربية ولها أصول من لغات أخرى، ويلقى ذلك الضوء بشدة على أصل فرعون موسى الذي نما في الفترة الأخيرة الاعتقاد بعدم مصريته وانتماءه للهكسوس أو الملوك الرعاة أو العماليق كما سبق التوضيح، وعليه فإن لفظ فرعون هو لفظ لا ينتمي إلى اللغة المصرية القديمة بالمرة، وإنما هو لفظ آرامي يشير إلى الملوك الرعاة الذين غزوا مصر في أحد عصورها القديمة وحكموها لفترة تتعدى القرنين من الزمان.

ليست هناك تعليقات: